سلمى العجلة.. نجت من بتر قدمها وتخشى بتر حقها في العودة لغزة

سلمى العجلة.. نجت من بتر قدمها وتخشى بتر حقها في العودة لغزة
الفلسطينية سلمى العجلة - أرشيف

في غرفة إحدى المستشفيات بالعاصمة المصرية القاهرة، تجلس الفتاة الفلسطينية سلمى العجلة وهي تحدق في قدمها اليسرى، تحرك أصابعها ببطء وكأنها تتأكد أن ما حدث معها لم يكن حلماً.. قبل أسابيع فقط، كانت على وشك أن تفقدها إلى الأبد، بعد أن نفدت حيل الأطباء في غزة، وأُبلغت رسمياً بأن أيامها معها معدودة.

لكن القدر كان له رأي آخر؛ ورقة تحويلة طبية إلى مصر أنقذت ساقها، وأعادت لها القدرة على المشي وربما الركض مجدداً، غير أن تلك الورقة حملت معها وجهاً آخر للمأساة.. مغادرة غزة في وقت تخطط فيه إسرائيل، وفق إعلانها الرسمي، لتهجير سكان القطاع قسراً، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.

كانت سلمى في نوفمبر 2023 داخل بيتها شمال غزة، حين ضرب صاروخ إسرائيلي المنطقة، لم يمهلها الوقت حتى لتدرك أنها مصابة إصابة بالغة. 

نزوح ومنطقة غير إنسانية

نزحت إلى جنوب القطاع، إلى ما وصفته القوات الإسرائيلية بـ"المنطقة الإنسانية" في دير البلح، لكنها تقول بمرارة: "لم تكن آمنة ولا حتى إنسانية".

في مستشفى شهداء الأقصى، ظلت تنزف ساعات على الأرض، دون سرير يخفف ألمها، وسط مئات الجرحى وضحايا مجازر تلك الليلة. 

وعندما دخلت غرفة العمليات، لم تكن الجراحة لإنقاذ قدمها، بل فقط لتثبيت الكسور وتأجيل البتر، من دون مسكنات، قضت شهوراً بلا نوم، حتى بدأ لون الجلد يتغير، وأصبحت الغرغرينا إليها أقرب.

معجزة في اللحظة الأخيرة

في يوم بدا عادياً، صدرت تحويلتها الطبية إلى مصر، وعند وصولها، أخبرها الطبيب: "لو تأخرت أسبوعاً فقط، لما كان بيدنا حيلة". 

توفرت لها المعدات والعلاج المناسب، وبدأت تستعيد الأمل في الحركة. لكن فرحة النجاة من البتر تلاشت أمام حقيقة أخرى: هي لم تعد في غزة، وربما لن تتمكن من العودة.

"تركت قلبي هناك"، هكذا وصفت لحظة مغادرتها القطاع، بكت بحرقة، رافضة الرحيل حتى لو كان الثمن حياتها، لكنها في النهاية غادرت، وهي تعلم أن العودة إلى بيتها المدمَّر قد لا تكون ممكنة.

ذاكرة ثقيلة بالوداع

لم تكن هذه أول مرة تغادر فيها غزة، لكنها كانت الأولى التي يرافقها شعور الفقد النهائي، وهي في سيارة الإسعاف، كانت تودع الطرقات، وجوه الأصدقاء والأقارب الذين تجمعوا على عجل ليتمنوا لها الشفاء. تلك الصور لا تزال تحاصرها كل ليلة.

بعد أيام، وصلتها صورة من صديقتها لمنزلها المدمر جزئياً: غرفة نومها، ملابسها المفضلة، كتبها وشهاداتها. شعرت حينها أنها لم تترك غزة فقط، بل تركت عمرها وتاريخها.

رغم أنها اليوم في شقة هادئة بعيدة عن أصوات القصف، فإن سلمى تقول: "لا أشعر بالنجاة". خلال الأسابيع الأولى في المستشفى، تعرضت لأزمات تنفس متكررة استدعت وضع الأوكسجين. 

نصح الأطباء والدتها أن تمنع عنها أخبار غزة، لكنها رفضت: “كيف أفعل وعائلتي وأحبتي ما زالوا هناك تحت النار؟”

قبل الحرب، كانت حياتها مليئة بالألوان، عملت في أهم المؤتمرات العلمية والسياسية، قابلت شخصيات بارزة، وأدارت برنامجاً حوارياً لم يكتمل تصويره. 

كانت ترى المايكروفون والكاميرا امتداداً لذاتها. أما اليوم، فكل ما تتمناه هو أن تكتمل حلقة أخرى من حياتها.. في غزة.

ما بين البتر والتهجير

سلمى العجلة نجت من بتر ساقها، لكن كابوس التهجير يطاردها، ساقها ما زالت معها، لكن بيتها وحياتها وأحلامها بقيت هناك، خلف حدود مغلقة، في مدينة تتعرض للإبادة. 

بالنسبة لها، النجاة الحقيقية ليست فقط في القدرة على المشي، بل في القدرة على العودة إلى موطنها الأصلي.. إلى قطاع غزة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية